أدب وثقافة

فلسفة العلم لدى مظفر النَّواب أغنت نظرته الشعرية

هذا اللقاء مع الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب أجري في 19 أبريل 2001، وها هو بعد ما يزيد على عشرين عاماً، يرى النور على صفحات «الجريدة». استعرض النواب في ذلك اللقاء، الذي تم في ضاحية دمر بدمشق، جزءاً من تاريخه ونشاطاته الفنية والاجتماعية والسياسية وهواياته، والأشخاص الذين أثروا في حياته، سواء من عائلته أو أصدقائه، سارداً مواقف من نشأته في حي الكرخ في بغداد، وكيف كانت طفولته، وبواكير موهبته في الكتابة منذ المرحلة الابتدائية، وما تبعها من مراحل. ثم انتقل إلى إضاءة الشاعر مساحة من نشاطاته الأدبية والسياسية في المرحلة الثانوية والجامعية، ومشاركته في المظاهرات أثناء الحكم الملكي وقدوم البعثيين إلى الحكم، فضلاً عن معارضته لكثير من الأفكار السياسية التي كانت سائدة في العراق آنذاك. كانت الصراحة تتجلى في أرقى صورها من خلال تجاوبه مع الأسئلة، مما منح اللقاء رونقاً خاصاً بسبب عفوية الشاعر وصراحته المطلقة في الإجابة بكل أريحية وبتفاصيل دقيقة لكل جزئية، نضعها بين يدي القارئ ليطلع على محطات جديدة من حياته،… وفيما يلي تفاصيل الحلقة الثالثة من اللقاء:,

• لماذا لا تجمع أعمالك في كتاب بطريقتك الخاصة؟

,- أُسأل كثيرا عن ذلك، وأحيانا أبدأ بالجمع ولكن هناك عوائق، العائق الأساسي أنه كلما أردت جمع القصائد فلابد أن أنقلها بخط واضح ليتمكنوا من قراءتها في المطبعة وقت الطبع وتوزيع الكلمات، وأيضا عندما أُخرِجُ كمّاً من القصائد والأوراق لترتيبها أو إعادة توزيعها، يأتي في بالي كتابة قصيدة جديدة، فأتوقف عن ترتيب القديم وأقول لنفسي إذا لم أكتب القصيدة الجديدة الآن فستضيع، خصوصا أني أجد عندي قدرة على كتابة ما هو أفضل مما كتبته، ولكن على الأقل القصائد القديمة موجودة وبإمكان أي شخص أن يجمعها في كتاب. ,الأشياء الأخرى الملحقة بهذا العائق أن دور النشر بشكل عام سيئة في التعامل مع الكتاب والفنانين والشعراء، فمثلا عندما كنت أسكن في القاهرة فترة من الزمن، جاءني صاحب دار نشر وطلب مني مجموعة قصائد كي يطبعها، التقينا في الشيراتون ولم يكن معنا ورق، فكتبنا العقد على الورق الذي يُفرش تحت الأكل، واتفقنا على طباعة عدد معين من النسخ بشرطين أساسيين: اتفقنا على طبيعة الطباعة والتوزيع، وألا تُعرض على أي رقابة عربية، لكنه قام بتسليمها للرقابة العراقية وتمت مصادرتها وضاعت كل المجموعة التي لا أملك نسخة منها، لكن الأمر الجيد أنها كانت صغيرة، وجاءني صاحب الدار بعدها يتوسل بي كيلا أقيم عليه دعوى. ,فيما يتعلق بديوان «الريل وحمد» المكتوب بالعامية، لم يكن عندي رغبة بطباعته، لكن الناشر في بيروت أعطاني رسالة من صديق من العراق يتوسط فيها للناشر بأنه إنسان طيب ومتضرر من الحرب، فاتفقنا على عقد بطباعة عشرة آلاف نسخة، رغم أن دور الطباعة آنذاك لم تكن تطبع أكثر من 2000-3000 نسخة، لكني أكدتُ له أنها ستنفد بسرعة، واتفقنا على سعر النسخة كي لا يستغل الناس أيضا، واتفقنا على طبيعة الطباعة. فدفع لي المبلغ مقدما لعلمه أن الكتب ستباع بسرعة، والحقيقة أن هذه الطبعة نفدت خلال دقائق في بغداد، إذ كان مسموحا بها وتباع بالشوارع والمكتبات، لأني قبل خروجي من العراق أخذت موافقة وزارة الاعلام عليها، وبعدها بأسبوعين، زار صديق لي في لبنان دار النشر فجأة واكتشف أن الناشر طبع 6000 نسخة زيادة عن المتفق عليه، وجاء الناشر يتوسلني ألا أقيم عليه دعوى ودفع لي ثمنها. ,ثم خلال الحرب الأهلية مررت بسوق الكتب وناداني صاحب مكتبة لا أعرفه، سألني كم طبعتُ من «الريل وحمد»، فأجبته 10 آلاف بالبداية ثم 6 آلاف، قال بل طبع الناشر 100 ألف نسخة، وظل يبيع الديوان في الفترة التي غبت فيها عن المنطقة، حيث لم أتمكن من البقاء في المنطقة بسبب قصائدي، وتنقلت بين ليبيا وأوروبا، واستغل الناشر هذه الفترة بطباعة كميات كبيرة وبيعها بدون وجود من يتابع حتى صار مليونيرا، وقبل ثلاث أو أربع سنوات ربما، التجأتُ إلى صديق، وهو نائب في البرلمان اللبناني، أخبرني أنه يعرف صاحب دار النشر فاستدعاه وعاتبه أمامي بعصبية، وكان الناشر المليونير يعاني من مرض القلب فبدأ يتعرق وخفت أن تصيبه جلطة بسبب الديوان فقمت بتهدئة الوضع. لكنه أحضر معه نسخة وأقسم أيمانا أنها آخر نسخة لديه في المطبعة، وعندما فتحناها وجدنا أنها الطبعة الثانية وواجهته بهذا، فكتب لي ورقة أن كل ما لديه نفد وأنه المسؤول في حال صدور أي طبعة أخرى، وما زلت أحتفظ بالورقة لكن لا يوجد فيها ضمان، الآن ربما سُن قانون جديد لحقوق المؤلفين، وباعتقادي يحتاج تنفيذه إلى آلية ولا يكفي سن قانون لأن هذه القضايا تُزوّر بالسر لا العلن، ولها علاقة بوعي المجتمع وعيا عاما اجتماعيا، ففي أوروبا مثلا أي شيء مزور يُكتشف رأسا وتُـتَّخذ الإجراءات، ويكون الجمهور هو الشاهد على كشف هذا التزوير. ,أتذكر حادثة حكاها لي صديق ليبي التقى مصادفة بصديقه الملحن المصري بليغ حمدي يرحمه الله في فندق الميريديان، أنا أعرف أن بليغ من النوع الذي يصرف أمواله ولا يوفر، وصديقي الليبي نفدت أمواله حينها فطلب من بليغ مالا، فسأله بليغ: «كم تريد؟ عشرة آلاف دولار؟»، فاستغرب صديقي أن يتحدث بليغ عن مبلغ بهذا الحجم بتلك الطريقة، وطلب خمسة آلاف دولار فقط، وفعلا استلم المبلغ فسأله كيف حصل عليه؟ فقال بليغ إن المبلغ جاءه من حيث لا يحتسب، إذ كان جالسا في الغرفة واتصل به بعض الفرنسيين وطلبوا رؤيته مدة خمس دقائق للضرورة فسمح لهم، فقدموا له ظرفا يحتوي على مئة ألف دولار تقريبا، وأخبروه أنهم استخدموا ثلاث دقائق من قطعة موسيقية من تأليفه كخلفية موسيقية لفيلم من أفلامهم، وهذا المبلغ هو حق الاستخدام، وبدأوا يعتذرون منه، فحصل بليغ على مئة ألف مع اعتذارات! فالغرب لديهم حقوق المؤلف محفوظة، وعندنا لا وجود لهذه الحقوق ولا يوجد آلية لتنفيذ القوانين، فالرشوة ممنوعة لكن أين الآلية لتنفيذ عدم أخذ الرشوة؟ لذلك من العوائق استغلال دور النشر للمستهلك والكاتب على حد سواء، وهذا يثبط عندي موضوع النشر، والآن هناك ضرورة للطباعة لأن القصائد بدأت تُزوَّر ويساء إليها، كما أن من مساوئ الطباعة أيضا وجود الأخطاء المطبعية أو تجدين قصيدة تتداخل مع أخرى في حين هما قصيدتان لا علاقة لإحداهما بالأخرى. ,

التبرؤ من تهمة الإلحاد
,نفى الشاعر الكبير مظفر النواب أن يكون ملحدا، «وعندما أواجَه بهذا الكلام يتبادر إلى ذهني بيت شعر لعمر الخيام، والذي كان مسلما، يقول: لستُ بالناضج حقا، لا، ولا النيئ صدقا»، معقبا: «فأنا لست دينيا جدا، ولست لا دينيا نهائيا، وأعبر عن مفهومي هذا في قصيدتي جسر المباهج: كلٌّ حسب طريقته في العشق يصلي».,ويضيف أن «كبار المتصوفة يقولون عندما يصل أحدهم إلى درجة من التصوف تسقط عنه التكاليف كالصوم والصلاة، ربما الشعراء أيضا تسقط عنهم التكاليف»!

,

• لو خُيّرت بين حضور مسرحية أو فيلم سينمائي أو أمسية شعرية أو أمسية موسيقية أو معرض تشكيلي، فأيها تختار؟

,- حسب من هو صاحب المعرض التشكيلي، ما هي الفرقة التي تقدم السيمفونية، ومن هو الموسيقار الذي ستُقدِّم أعماله؟ ليس عندي توجه معين، فإذا سمعت عن وجود أمسية شعرية لشاعر أعتبره شاعرا جيدا، وفي الوقت نفسه يوجد فيلم سينمائي، فسوف أفضل الأمسية الشعرية، وإذا كان يوجد فيلم جيد وأمسيات شعرية سيئة فسأفضّل الفيلم، أحيانا قليلة جدا أحضر الموجود على الساحة كي أفهم ماذا يحدث حتى بدون قناعتي بالموضوع، فلو سمعت عن مجموعة شعراء جدد لا أعرف عنهم شيئا أحضر الأمسية لأفهم الوضع على الساحة، ففي إحدى المرات حضرت لمجموعة شعراء وخرجت بصورة أو صورتين من قصيدة والبقية لا شيء! مع الأسف هذا العبث يستشري وينتشر، والتهمة موجهة للجمهور أنه لا يفهم! أنا أقول إن الجمهور يفهم، الجمهور عنده ذكاؤه الخاص، فأمسيتي الأخيرة برعاية دار المدى كان جمهورها من مختلف الفئات، ناس كبار وصغار والكل كان ينصت ويتابع وصار صمتا عجيبا أثناء القراءة رغم الحر لكنهم جلسوا لأكثر من ساعة، وبعض الناس جاءوا قبل الأمسية بأربع ساعات، معناها أن الجمهور يعرف ويميز، ويجد من يعبر عن همه، ولا يلتفت لنرجسية الكاتب أو الشاعر وغيرهما، فالشعر الذي لا يرتبط بالحياة، والفيلم الذي لا يرتبط بالحياة، والمعرض الذي لا يرتبط بالحياة، هذا كله لا يعني شيئا للناس وهذا من حقهم، شيء لا يهمني ولا يخصني، لماذا أذهب وأستمع لشخص يقف كالطاووس وراء الميكروفون! الأفضل الذهاب للتفرج على طاووس حقيقي إذاً!,

• لاحظتُ أنك تحب التحرك والتمثيل أثناء إلقاء القصائد! وأنك لا تحفظ قصائدك عن ظهر قلب!

,- هذا يعطيني حرية أكثر بالإلقاء وإيصال الكلمة، وهذا أفضل من الوقوف جامدا، وبالنسبة للقراءة من الورق فهذا بحكم السن لأني أنسى، هذا جانب، ومن جانب آخر صارت قصائدي كثيرة، فعند بداية كتاباتي كانت القصائد قليلة لا تتجاوز العشرين قصيدة مثلا، نرددها بسهراتنا ولذلك كنت أحفظها، فقصيدة البراءة مثلا ألقيت جانبا كبيرا منها لكن كي لا أنسى كنت أراجع الورقة بين كل عشرة أسطر مرة للتأكد أني لم أضيّع شيئا، لكن مثلا قصيدة (وا هرّاه) اللي عن القطط، أو قصيدة (في الوقوف بين السماوات ورأس الحسين)، هذه قصائد طويلة جدا، قد أتذكر مقاطع منها لكن يصعب أن أتذكرها كلها، فأضطر لرؤية الورقة كي لا أخطئ، طبعا القصائد التي أحفظها تعطيني حرية أكبر وحرية أكثر بالحركة والتعبير والانصراف إلى نفسي أكثر من الانصراف للورقة.,

• ابن أخيك ضرغام يتعلم العود الآن، ألم تفكر أن يعزف ضرغام وأنت تلقي الشعر؟

,- أستمع إلى ملاحظات كثيرة بهذا الخصوص، بعض الناس يحبون إلقاء الشعر بلا عود، يقولون إن العود يضيّع عليهم جو القصيدة بسبب وجود فواصل وترية، والبعض يقول مع العود أجمل، فالأمر محير لأن الجمهور لديه مشاعر، وقد يحتاج الأمر أن أتعلم العود بنفسي بدلا من الاعتماد على الآخر، فأحيانا تأتي في بالي ليس الإيقاعات فقط، إنما تأتي في ذهني أنغام. ,أنا لحّنت قصيدة أو قصيدتين، حتى أن كوكب حمزة، وهو فنان عراقي وملحن مهم جدا، الذي لحّن (يا طيور الطايرة)، ويعتبر واحدا من ثلاثة من كبار الملحنين العراقيين وهم طالب القرغولي ومحمد جواد أموري وكوكب حمزة. كوكب سمع اللحن الذي عملته، فقال لي «دع لنا شيئا، إذا بدأتَ بالتلحين فلن نشتغل».,حاولت عدة مرات أن أتعلم العزف على العود لكن الأمر يحتاج أن أداوم على ذلك، إذ لا ينفع أن أتعلم شهرا وأنقطع شهرا، هكذا لن أتعلم مستحيل، والسبب الذي يجعلني أرغب في تعلم العود هو ألا أعتمد على عازف يرافقني، كوكب حمزة مثلا مرافق جيد لكن كوكب يعيش في الدنمارك ومن الصعب أن يرافقني هنا، والاعتماد على عازف آخر يعني أن يفهم هذا العازف ماذا يصنع، أحتاج أن أتمرن معه على كل قصيدة على حده حتى يعيش في جوها.,أتذكر مرة أحد الشباب الذين عزفوا معي في سينما الحمراء في دمشق (منطقة الصالحية)، قلت له «لا تطلع عن طور التقاسيم، سأعطيك مدخلا لتعرف من أي المقامات تدخل لأني لا أعرف كل المقامات، وتدخل بالمقام وتستمر بالمقام نفسه»، ثم وصلتُ إلى أوج القمة في القصيدة التي فيها جو محتدم، بدأ العازف يدق لحن «عيني سمر عيني سمر» على أساس أنه يريد التنويع، لكنه أضاع لي الجو الذي كنت أعيشه، فالأمر فيه مشكلة، ولذلك أعتقد بلا عود يكون أفضل أحيانا، كما أن الذين يحبون سماع الشعر وحده يقولون إن صوتي الجهوري يساعدني ويكفيني.,

• ألا تعتقد أن الذين تناولوا التحليل النقدي لشعرك قلة؟

,- نعم قلة، لكن يوجد كتاب باقر ياسين «مظفر النواب: حياته وشعره»، وكتاب مشترك لهاني الخيّر وعبدالقادر الحصني بعنوان «مظفر النواب شاعر المعارضة السياسية»، وكتاب لعبدالله الشاهر «مظفر النواب: ملامح ومميزات». ,دراسة شعري بحاجة إلى عمق، ومعرفة بعض الأبعاد التي تتضمنها القصيدة، وليس فقط ظاهرها، فالظاهر سهل ويمكن لأي إنسان أن يتناوله، لكن الأعماق التي في القصيدة هي الأهم، خصوصا أن التركيبة اللفظية عندي متعلقة بالتراث، الذي أدى دورا كبيرا في قصائدي. ,هناك مصطلح سائد الآن في الشعر الحديث، مصطلح البساطة الذي يصل إلى حد الفجاجة لا البساطة، أنا ضد هذا النوع من البساطة، بمعنى ما يصل إلى القارئ فليصل إليه، وأجد أن مهمة النقد معدومة حتى الآن.,قسم من النقاد يخاف الاقتراب من القصائد لأن لها أبعادا سياسية تتعلق بالحكومات وغيرها، خصوصا إذا أخذنا الصحافة والهيمنة عليها بحيث لا تريد الدخول إلى مآزق.,

• بالنسبة للحداثة في الشعر، ما رأيك بها؟

,- هناك حداثة حقيقية وهي سماع نبض العصر وإيقاع العصر ومتطلباته وفهمه والتنوع الذي يحتويه والتطور العلمي الهائل، أنا أقرأ الكتب العلمية، لا سيما المتعلقة بمفاهيم الزمن أو القضايا الفلكية أو حتى العلوم الأخرى التي باستطاعتي أن أفهمها، وليست تلك التي تحتوي معادلات رياضية فهذه صعبة عليّ، وأقرأ أيضا في فلسفة العلوم وهذا الذي يهمني أكثر، الجانب الفلسفي في العلم الذي يُغني النظرة الشعرية. ,كشوفات الفلك مثلا هي شعر بحد ذاتها في الحقيقة، والآن مثلا عندما نقرأ ما يدور في العوالم والأفلاك الأخرى والمكتشفات الجديدة، نجدها أبعد من الخيال في الحقيقة، وهذا مهم ويوسع أفق الشاعر، فلا يكفي أن يعتمد الشاعر على ثروته اللغوية وفهمه للغة والتراث دون أن يكون معاصراً أيضا، بمعنى فهمه لأبعاد هذا العصر وتطوراته العلمية، وأخذه للجانب الفلسفي منها حتى يكون هناك نظرة شمولية. ,الشخصيات الشمولية معدومة في عصرنا مع الأسف، يعني ابن سينا كان شخصية شمولية، والرسول صلى الله عليه وسلم كان شخصية شمولية، والإمام علي أيضا شخصية شمولية لتناوله جوانب عديدة في الحياة، وأنا أعتقد أن هذا مهم جدا في الشعر. ,

«الشتيمة» لدى النواب سياسية لا أخلاقية
بشأن الشتائم التي وردت في شعره، يؤكد النواب أن تلك «الشتيمة سياسية لا شتيمة أخلاقية إن صح التعبير، فمثلا عندما أذكر المفردة الفلانية فأنا لا أقصد بها دلالتها الأخلاقية، ففي قصيدة (القدس عروس عروبتكم) الصورة كلها سياسية، أنا برأيي إذا قلنا للحاكم (أنت انتهازي) فقد يفرح، لكن لو قلنا له أنت (ابن كذا) ستكون مشكلة وتنقلب الدنيا». ,وقال إن قصيدة (القدس عروس عروبتكم) كاملة، جزء من بنائها هو الشتيمة، «شتائمي هي واقع يومي في حياتنا، ففي الشارع اللبناني مثلا أو العربي عموما، سنجد الشتيمة متداولة، لكن عندما نستخدمها في العالم الشعري تُصبح صورة للإدانة وتنقلب الدنيا، ولا أرى مبررا لانقلاب الدنيا لأن هذا هو واقعنا، والفرق بين الابتذال وعدم الابتذال عندما نفهم هل الشتيمة المقصود بها الترويج للصورة أم محاولة للتخلص من الصورة؟ هل هو ترويج للزنى أم إدانة للزنى مثلا، هناك إدانة طبعا بمعنى أنها مُغتصبة ورغم ذلك تطالبها بالسكوت»!,ويروي أنه قال في إحدى أمسياته في ليبيا «أحيانا يقال إنني أستخدم كلمات بذيئة، فأروني واقعا أكثر بذاءة مما نحن فيه»، والغريب أن بعض الأخلاقيين يهتز من مُفردة ولا يهتز من وضع بأكمله، «فأنا ضد هذا لوجود خلل بالفهم والوعي، وكما يقال «الكفر في مكانه عبادة».

,

علا حسني منصور

المصدر: جريدة الجريدة الكويتية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى