في كتابي المعنون “لون الغد… رؤية المثقف العربي لما بعد كورونا”، أكّدتُ بشكل قاطع أن ما سيأتي بعد وباء كورونا هو بالضرورة مختلف تماماً عمّا كان قبله. وإذا كان هذا الرأي يشمل نواحي كثيرة في الحياة، فمؤكد أنه أثّر ويؤثر في ممارسة المبدع والكاتب والناشر العربي، مثلما أثّر وسيؤثر في جمهور التلقّي.,لذا، أرى ضرورة أن يقف المبدع/ الكاتب العربي أمام نتاجه السابق، ويعيد حساباته فيما سيكتب، شكلاً ومضموناً، فمثلما جاء كورونا بـ “جديد معتاد -New Normal”، وأجبر البشر على إعادة برمجة مسلكهم الإنساني اليومي، بما يتلاءم مع المستجدات العلمية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية، فإن هذا الجديد المعتاد يجب أن يكون حاضراً في فكر ونتاج الكاتب العربي.,إن إقدام كاتب عربي على طباعة ونشر روايته أو مجموعته القصصية أو ديوان شعره لدى ناشر محلي/ عربي، بالكاد يوزّع 200 نسخة في محيطه المحلي، وبأسلوب يفتقد روح العصر، وليس فيه أي مبادرة حيويّة وهمّة وحماسة من الناشر للتواصل مع الناقد والصفحات الثقافية وطلاب الجامعات والمعاهد الثقافية ونوادي القراءة.,هذا أسلوب يجب، في أفضل الأحوال، أن يُعاد النظر فيه. فمثلما أن الكاتب العربي مطالَب بجميع ما من شأنه رفع مستواه الفني والفكري وتجربته الإنسانية، لتقديم نص مبدع مختلف، فإن الناشر يجب ألّا يقف عند طباعة الكتاب ووضعه على الرف… و”كفى الله المؤمنين القتال”!,إن نشر الكتاب العربي وتوزيعه بقدر ما يعتمد على موهبة الكاتب وحرفته، يعتمد على ديناميكية الناشر، ووصله بعالم النشر المتطوّر. ولأنّ اتصالي ببعض الزملاء الناشرين، في أكثر من قطر عربي، خلال الأسبوعين الماضيين، أوضح لي شكوى مريرة منهم، تجاه الدمار الكبير الذي خلّفه “تسونامي كورونا”، مما أوصل بعضهم إلى حال إغلاق دور نشرهم ومكتباتهم، وجعلهم، في أفضل الأحوال، أكثر حذراً في تعاملهم مع المنتج الإبداعي.,لكن، وهنا المفارقة، “تسونامي كورونا”، لم يحرّك أو يدفع بمعظم الناشرين العرب، إلى إعادة التفكير في أسلوب النشر، وفي طرق وصولهم إلى شرائح الجمهور المختلفة. ,وكأني بلسان حالهم يقول: حدث كورونا، ومرَّ كورونا، وحطّمنا كورونا، ونحن الآن نلملم شتاتنا لنعود نمارس ما كنّا نفعله قبل كورونا!,”كورونا كان قاتلاً للمبدع والكتاب والناشر والثقافة العربية!” هذه الجملة التي ترددت على مسامعي من أكثر من ناشر، جعلتني أفكر في ضرورة تحرّك الكاتب العربي، إذا كانت حركة الناشر العربي ثقيلة وشبه ميؤوس منها!,أنا موجود منذ ما يزيد على أربعة عقود في عالم الكتابة والنشر، وتربطني علاقات واسعة جداً مع عدد كبير وكبير جداً من زملائي الكتّاب العرب؛ مفكّرين، وشعراء، وقصاصين، وروائيين، وكتّاب مسرح، وكتّاب أدب طفل، وما يجمع أغلبهم، بشكل واضح، هو أنه ليس من كاتب عربي يعتاش على بيع كتبه! وأن العمل في الكتابة أعجز بكثير من أن يُعيل صاحبه، فما بالك بأسرته وأهله! ,ولذا، فإنني أنطلق بشكل شخصي لطباعة روايتي الأخيرة، التي انتهيت توّاً منها، بالاتفاق مع عدد من الناشرين العرب، حيث يغطي كل ناشر محيطة المحلي: الكويت، والسعودية، ومصر، ولبنان، وسورية، والعراق، والإمارات، وسلطنة عُمان، والأردن، والمغرب العربي، ويطبع كل ناشر 500 نسخة وتُوزع الرواية متزامنة لتكون في متناول القارئ العربي في كل الأقطار العربية، وبمجموع 5000 نسخة، وهذا عدد يحلم بتوزيعه كل كاتب عربي.,أعلنها صريحة: “لا أريد مردوداً مالياً يثقل على أيّ ناشر، ولن أشارك أي ناشر ربحاً، يكفيني 20 نسخة من كل طبعة، ويكفيني جداً، النسبة التي يقررها الناشر ويرى أنها عادلة بإعطائي حقي، بعد أن يبيع نسخ الكتاب!”,يكفيني جداً انتشار كتابي لدى القارئ العربي، فإن أنا نشرت روايتي في الكويت وحدها، لن تصل إلى القارئ السعودي، وإن أنا نشرتها في بيروت لن تصل إلى القاهرة، وإن نشرتها في القاهرة، لن تصل إلى الإمارات، وإن نشرتها في المغرب لن تصل إلى دبي أو أبوظبي. ,نحن وطن عربي مقطّع تماماً، وحتى داخل القطر الواحد، فعسى للكتاب العربي أن يعالج ما عجزت عنه الأنظمة، وعساه يوحد القارئ العربي، وبما يعيد شيئاً من وحدة عربية عشنا زمناً نؤمن بشعاراتها!,ملاحظة: حصلت على ست موافقات من ناشرين عرب، وجار الاتفاق مع أربعة ناشرين!
المصدر: جريدة الجريدة الكويتية