منوعات

من محو الأمية للدكتوراه بمصر.. قاهر الإعاقة يروي للعربية نت 

قهر التحدي وأصبح مثالاً للصبر والإرادة التي لا تلين، إنه محمد الكيلاني محمود الذي لم تمنعه إعاقته والكثير من التحديات والعقبات في حياته من الوصول إلى أكبر الطموحات بالجد والتصميم والإرادة.

محمد الكيلاني

نشأ محمد كيلاني في أسرة بسيطة بمحافظة الفيوم، وأصيب بمرض شلل الأطفال في عمر العام والنصف، وحاولت الأسرة علاجه في أكثر من مكان دون جدوى، ليقرر بعدها الأب الذي كان يعمل في كي الملابس، عدم إلحاق ابنه بالمدرسة مثل أقرانه بسبب إعاقته وأن يتعلم صنعة ما لكسب العيش.

يقول الكيلاني للعربية.نت: “عملت في عدة مهن من خياط للملابس وبائعاً للب والمقرمشات، كما عملت في بيع العسل وبيع الملابس، لكنني لم أجد نفسي وشغفي في أي من تلك المهن العديدة”.

محمد الكيلاني

محمد الكيلاني

ويضيف: “مستخدما الكرسي المتحرك عملت في سينما الفيوم كمراقب لحركة الدخول والخروج وقطع التذاكر مقابل أجر زهيد، لكنني أحببت التجربة وتعلمت مخالطة الناس والتفاعل مع المجتمع، وتعرفت على السينما والأدب والروايات، وتعلقت بها رغم أنه وقتها لم يكن معي شهادة لمحو الأمية، وكانت لدي مجرد مبادئ من القراءة والكتابة اكتسبتها من مذاكرة أشقائي الذين التحقوا بالمدارس من بين 8 أشقاء”.

أراد وقتها محمد الكيلاني أن يغير من مصيره ومستقبله وكان بعمر العشرين، فقام بتثقيف نفسه بنفسه حيث قرأ الروايات لأشهر الكتاب المصريين والعرب، أمثال نجيب محفوظ وطه حسين والعقاد، واتخذ من الأخيرين قدوة ومثلا في تحدي صعوبات الحياة، وقرر بعدها أن يلتحق بامتحانات محو الأمية واستكمال تعليمه لتحسين مستواه الوظيفي والالتحاق بوظيفة تناسب قدراته وشغفه بعيدا عن المهن اليدوية والبيع في الأسواق التي لم يتخيل له مستقبلا بها.

ومتسلحاً بالصبر والإرادة، التحق الكيلاني بامتحانات محو الأمية، وتلاها باستكمال الدراسة والحصول على الشهادة الابتدائية، ثم الإعدادية من المنزل.

يقول الكيلاني للعربية نت إنه وجد شغفه بالدراسة ولم تكن صعبة عليه مثل غيره، وكان لديه الطموح لاستكمال التعليم الثانوي واختار الشعبة الأدبية في الثانوية بسبب حبه للأدب والقراءة، وكل ذلك كان بالتوازي مع العمل.

وتكلل مجهود الكيلاني بالتحاقه بكلية دار العلوم التي تفوق فيها وتخرج منها في عام 2003، وكان اسمه ضمن العشرين الأوائل ممن يستحقون التعيين في الدولة، ولم يقف طموح الكيلاني عند هذا الإنجاز الكبير، بل قرر أن يستكمل دراساته العليا، حيث حصل على الماجستير في النحو والصرف عام 2009 بتقدير “ممتاز” متفوقاً على العديد من زملائه.

الدكتوراه كانت مرحلة الكيلاني التالية بكلية الآداب جامعة الفيوم بقسم اللغة العربية، رغم ما كانت تمر به مصر وقتها من تقلبات سياسية وجذرية في مرحلة صعبة كانت مليئة بالتحديات والاحتجاجات و المشكلات الاقتصادية، ليصمد حلم الكيلاني أمام كل هذه التحديات ويتمكن من الحصول على الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى عام 2018.

يقول الكيلاني: “اختياري للغة العربية جاء بسبب اهتمامي الكبير بها وبالروايات والأدب، ثم ارتأيت أن حبي للغة العربية قد يفتح لي آفاقاً جديدة للعمل المنزلي الذي يتوافق مع إمكاناتي الحركية المحدودة”.

عمل الكيلاني بعد حصوله على الدكتوراه في أكثر من مشروع علمي، كما عمل على تلخيص الكتب والروايات العالمية وصياغتها بعبارات شيقة وسليمة تسهيلاً على القارئ العادي.

ووصل الكيلاني بجده ومجهوده الكبير للانضمام إلى فريق العمل في المعجم التاريخي للغة العربية والذي تشترك في إعداده أكثر من دولة عربية بينها مصر والسعودية والإمارات، وهو واحد من أكبر المعاجم للغة العربية على الإطلاق.

ويوجه الكيلاني رسالة تشجيع إلى كل ذوي الهمم حيث يقول “لكل إنسان إمكانيات مختلفة، مهما كانت الإعاقة يستطيع الإنسان اكتشاف نفسه ومواهبه ويستطيع خدمة المجتمع ويكون له دور كبير فيه وفي تغييره، ويستطيع الإنسان محاربة كل الظروف الصعبة مهما كانت التحديات”.

يمارس الكيلاني حياته بشكل طبيعي رغم كل التحديات ومتزوج ولديه 3 أطفال، وله دور كبير في المجتمع المحيط به أيضا حيث يقول: “أساعد زملائي الباحثين بما يسر الله لي من معرفة، وأحاول أن أساعد إخواني المعاقين بما تعلمته من تجارب وخبرات لتغيير حياتهم”.

نشر الكيلاني عن ذوي الإعاقة كتابا بعنوان “أهمية التحدي والإرادة في حياة ذوي الإعاقة”، وينقسم الكتاب إلى عدة أقسام منها الشعر والمقال والرواية والقصة.

ويتمنى الكيلاني: “أن يكون سببا في رسم البسمة على وجوه ذوي الإعاقة ورفع المعاناة عنهم، وأن يؤكد للجميع أن لا شئ مستحيل”.

بطولة الكيلاني لا تقتصر على تحدي الإعاقة وحدها، ولا على الإرادة في التعلم في الكبر بكل ما فيه من تحديات والتي تصعب حتى على الأصحاء وسط مشاغل وصعوبات الحياة والعمل، لكن أيضا أمثال الكيلاني من ذوي الإعاقات الحركية في مصر والعديد من دول الشرق الأوسط يعانون من عدم وجود الطرق الممهدة لهم، وعدم توافر مداخل الأبنية المجهزة لمستخدمي الكراسي المتحركة، سواء أبنية حكومية أو تعليمية أو حتى البنايات السكنية، هذا بالإضافة إلى صعوبات الاندماج في المجتمع بطرق مختلفة.

المصدر: العربية.نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى