عقب توقيع معاهدة باريس عام 1763 ونهاية حرب السبع سنوات، خسرت فرنسا مستعمراتها بشمال القارة الأميركية والهند الفرنسية لصالح البريطانيين، لتفقد بذلك مكانتها كقوة استعمارية عالمية لصالح الإمبراطورية البريطانية. وبعد نحو قرن، اتجهت فرنسا عام 1853، أثناء عهد نابليون الثالث، لاستعادة مكانتها العالمية كإمبراطورية استعمارية، قادرة على مقارعة البريطانيين، عن طريق التوسع واحتلال أقاليم ما وراء البحر.
وخلال ذلك العام، قاد الأميرال أوغست فيبريير ديبوانت (Auguste Febvrier-Despointes) حملة عسكرية لاستعادة مكانة بلاده عن طريق التدخل بكاليدونيا الجديدة (New Caledonia) الواقعة بجنوب غربي المحيط الهادئ على بعد 1200 كلم شرق أستراليا.
وصول الفرنسيين لكاليدونيا الجديدة
إلى ذلك، بلغ المستكشف والبحار الإنجليزي جيمس كوك (James Cook) عام 1774 هذه المنطقة الواقعة بقارة أوقيانوسيا. ومع نزوله بها، وجد جيمس كوك تشابها بين هذه المنطقة وإسكتلندا، الملقبة أيضا بكاليدونيا، فاتجه لتلقيبها بكاليدونيا الجديدة.
ومع وصوله لكاليدونيا الجديدة، التقى جيمس كوك بشعب الكاناك (Kanak)، ذي البشرة السمراء، الملقبين بالسكان الأصليين للمنطقة. وفي البداية، أرسلت إنجلترا المبشرين لكاليدونيا الجديدة لتعليم سكانها الأصليين قواعد البروتستانتية. لكن مع قدوم الفرنسيين الكاثوليكيين، وجدت نسبة هامة من شعب الكاناك نفسها مجبرة على اعتناق المذهب الكاثوليكي.
منذ العام 1854، أسست فرنسا منطقة مينائية لقّبت ببورت دي فرانس (Port-de-France). لكن بعد مضي 12 عاما، فضّلت السلطات الفرنسية التخلي عن هذا الاسم واعتماد نوميا (Nouméa) كاسم جديد لما تحوّل فيما بعد عاصمة لكاليدونيا الجديدة. وقد جاء تغيير اسم العاصمة حينها لتشابهها بشكل كبير مع اسم فورت دي فرانس (Fort-de-France) عاصمة منطقة المارتينيك.
سجن ومنفى وثروات طبيعية
خلال السنوات التالية، تحوّلت كاليدونيا الجديدة لعبء ثقيل على المسؤولين الفرنسيين بسبب بعدها عن الأراضي الفرنسية وافتقارها للثروات الطبيعية. وأمام هذا الوضع، فضّل الجميع عام 1864 اعتماد هذه الجزيرة الواقعة بعرض المحيط الهادئ كسجن ينقل إليه المجرمون والمعارضون السياسيون.
ما بين 1864 و1887، نفت فرنسا ما لا يقل عن 22 ألف شخص نحو كاليدونيا الجديدة. ومن ضمن هؤلاء المنفيين، تواجد بعض مئات من الجزائريين، انحدر كثير منهم من منطقة القبائل، الذين اتهموا بعرقلة عمل السلطات الاستعمارية الفرنسية بالجزائر. أيضا، لم يتردد القضاء الفرنسي في نفي الناشطة السياسية لويز ميشيل (Louise Michel) نحو هذه المنطقة النائية عقب أحداث كومونة باريس التي تزامنت مع هزيمة الفرنسيين على يد البروسيين ما بين عامي 1870 و1871. وقد استغلت هذه المرأة تواجدها بكاليدونيا الجديدة لتباشر بتعليم أطفال شعب الكاناك القراءة والكتابة.
تزامنا مع قدوم هذا العدد الهام من المنفيين، تمكّن مهندس فرنسي من اكتشاف كميات كبيرة من معدن النيكل (nickel). وبفضل ذلك، أقبل العديد من سكان الألزاس (L’Alsace) نحو كاليدونيا الجديدة لاستغلال مناجمها وأراضيها الفلاحية التي منحتها إياهم السلطات الفرنسية حال قدومهم.
المصدر: العربية.نت