لا ترتبط الاختلافات في بنية الدماغ لدى الرجال والنساء إلا ارتباطًا ضعيفًا بالاختلافات السلوكية، وفقًا لبحث جديد حلل مجموعتين كبيرتين من بيانات التصوير الدماغي المستقل. نُشرت نتائجه في موقع PsyPost نقلًا عن دورية Psychological Science.
تشير النتائج إلى أن وجود الفروق بين الجنسين في السلوك البشري موثق جيدًا، ولكن لا يوجد ما يثبت بشكل حاسم ما إذا كانت هذه الاختلافات السلوكية مرتبطة بالاختلافات في بنية دماغ الذكور والإناث. كانت الأبحاث السابقة قد أفادت بأن الفروق بين الجنسين في بنية الدماغ مرتبطة في الواقع بالاختلافات في السلوك بين الجنسين، لكن النتائج الجديدة تقدم دليلاً على أن هذه الصلة تتعلق في الغالب بحجم الدماغ.
أوضحت الباحثة ليزا فان إيك، وهي محاضرة في علم النفس بجامعة جيمس كوك قائلة إنها من منطلق خبراتها في مجال “علم النفس العصبي والتصوير العصبي” أولت اهتماما للتحقق علميًا إذا كانت “الاختلافات بين الجنسين في الدماغ مرتبطة بالاختلافات في السلوك”.
مهارات التعاطف للإناث
وأضافت “تم التثبت من وجود اختلافات بين الجنسين فيما يتعلق بالسلوك، على سبيل المثال، يتمتع الذكور، في المتوسط، بمهارات بصرية مكانية أفضل من الإناث، وفي المتوسط، تتميز الإناث بمهارات تعاطف أفضل من الذكور. كما تم العثور على اختلافات بين الجنسين للأمراض والاضطرابات العقلية، مثل ارتفاع معدل انتشار اضطراب طيف التوحد بين الذكور مقابل الإناث، والعكس بالعكس، ارتفاع معدل انتشار الاكتئاب بين الإناث مقابل الذكور”.
مخ الذكور أكبر حجمًا
كما تم رصد العديد من الاختلافات بين الجنسين في الدماغ، مثل أن أدمغة الذكور في المتوسط 10-15% أكبر من أدمغة الإناث. كان السؤال الذي بقي هو ما إذا كانت الاختلافات بين الجنسين في السلوك يمكن أن تكون مرتبطة بالاختلافات بين الجنسين في الدماغ، وإذا كان الأمر كذلك، يمكن أن توفر هذه العلاقة رؤى للاضطرابات التي أظهرت اختلافات بين الجنسين”.
جسدية وعصبية وسلوكية
استخدم الباحثون بيانات من مشروع Connectome Human ودراسة كوينزلاند التوأم للتصوير لفحص الفروق الفردية في بنية دماغ الذكور والإناث، اللتين قامتا بالتصوير باستخدام تقنية تصوير عالية الجودة لقياس بنية الدماغ.
جمعت الدراسات أيضًا مجموعة متنوعة من البيانات الجسدية والعصبية والسلوكية من 2153 من المشاركين البالغين، من بينها، على سبيل المثال لا الحصر، مؤشر كتلة الجسم والذكاء وأداء الذاكرة العاملة والسمات الشخصية والأعراض النفسية.
ولاستبعاد العوامل الاجتماعية والثقافية التي يمكن أن تؤثر على الفروق بين الجنسين في السلوك، قامت فان إيك وزملاؤها بفحص الاختلافات الدماغية بين الأفراد من نفس الجنس، أو بعبارة أخرى، تم مقارنة النساء بشكل منفصل بالنساء الأخريات والأمر ذاته للرجال.
استعدادات وراثية وهرمونات
قالت فان إيك لموقع PsyPost: “اعتمادًا على الاختلافات في الاستعدادات الوراثية بالإضافة إلى التعرض والحساسية لهرمونات الجنسين، سيطور بعض الرجال دماغًا شبيهًا بالأنثى بينما يطور الرجال الآخرون دماغًا أكثر شبهاً بالذكور، والعكس بالعكس بالنسبة للنساء. بعدئذ تم أيضًا فحص الاختلافات السلوكية (مثل الشخصية والإدراك) على طول بُعد الذكور والإناث. بعد ذلك، نظرنا في ما إذا كانت هذه الاختلافات الدماغية والسلوكية على طول بُعد الذكر والأنثى مرتبطة ببعضها البعض”.
ذات دلالة إحصائية
اكتشف الباحثون علاقة ذات دلالة إحصائية بين اختلافات الدماغ والاختلافات السلوكية ، لكن الارتباط اختفى بعد حساب الاختلافات في حجم الدماغ. وأوضحت فان إيك شارحة: “وجدنا (فقط) علاقة ضعيفة بين المخ والاختلافات السلوكية بين الجنسين، مما يدل على أن الاختلافات في بنية الدماغ لدى الرجال والنساء ليست مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالاختلافات السلوكية وأنه من المحتمل أن تلعب العديد من العوامل الأخرى دورًا في الفروق السلوكية بين الجنسين. بالإضافة إلى ذلك، تم تفسير العلاقة الضعيفة في الغالب من خلال الاختلافات في حجم الدماغ، مما يشير إلى أن البحث المستقبلي الذي يدرس الرابط بين الدماغ والسلوك يحتاج إلى النظر بعناية في الاختلافات في حجم الدماغ.”
نقاط القوة
تضمنت الدراسة عددًا من نقاط القوة، من بينها حجم العينة الكبير نسبيًا. ولكن، كما هو الحال مع جميع الأبحاث، تتضمن النتائج بعض التحذيرات.
قالت فان إيك: إنها “دراسة ارتباطية، لذلك لا يمكننا استنتاج أي شيء حول اتجاه التأثير. كما أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتحديد ما إذا كانت الاختلافات الجنسية (ولكن أيضًا بين الجنسين) في الدماغ والسلوك ناتجة عن عامل مشترك (على سبيل المثال، ذكورة الدماغ في وقت مبكر أثناء الحمل) و/أو ما إذا كانت الاختلافات الجنسية في الدماغ تؤثر على السلوك، و/أو العكس، كيف تؤثر هذه الاختلافات في السلوك على الدماغ، علاوة على أنه من غير الواضح ما إذا كانت هذه العلاقة بين الفروق بين الجنسين في الدماغ والتغيرات السلوكية عبر العمر، ولا سيما ذات الاهتمام هي فترات مثل سن البلوغ وانقطاع الطمث، وهي فترات تتميز بتغيرات كبيرة في مستويات الهرمونات الجنسية.”
الجنس الأكثر تفوقًا
من المهم عدم تجاهل الفروق بين الجنسين في البحث، مهما كانت صغيرة، لأن دراسة هذه الاختلافات يمكن أن توفر أدلة جديدة للسلوك والمرض تظهر الفروق بين الجنسين في انتشارها أو التعبير عن الأعراض”، أضافت فان إيك. “ومع ذلك، من المهم الاعتراف بأن الفروق الفردية غالبًا ما تكون أكبر من الفروق بين الجنسين الملاحظة وأن الفروق بين الجنسين الموجودة (سواء في الدماغ أو السلوك) لا تقدم أي دليل على أن الجنس هو الأكثر تفوقًا”.
المصدر: العربية.نت