
بعدما كتبت في مقالات سابقة بـ «الأنباء» عن تاريخ عودة ممارسة الرياضة في الأندية بصورة رسمية وذلك مع افتتاح الأندية الرياضية الحالية سأسرد بعضا من التاريخ الرياضي وغير الرسمي في الكويت وتحديدا الذي كان يمارسه النشء والشباب خارج أطر الأندية فهذا التاريخ عرفته أنا شخصيا أو سمعته من بعض الشخصيات الرياضية التي مازالت على قيد الحياة أو التي انتقلت إلى رحمة الله تعالى، فقد نقلت بعضا من هذه المعلومات التاريخية منهم كما ذكرت ذلك في مقالات سابقة أو كما عشتها شخصيا معهم في بعض من تلك الفترة الزمنية وانا ناشئ صغير أو شاب يافع أو كما عشت بعدهم، لذلك ارتأيت أن أدون في هذا المقال الصغير كيف كان الوضع الرياضي عند النشء في تلك الحقبة في داخل العاصمة ومناطقها الرئيسية الثلاث (القبلة والشرق والمرقاب) وهي المناطق السكنية الرئيسية التي يحتضنها السور.
فقد طغت لعبة كرة القدم في داخل المدينة القديمة وحتى خارج أسوارها على أي لعبة جماعية أخرى كان يمارسها الاولاد في ذلك الوقت. حيث دخلت كرة القدم الكويت من اوسع الابواب وكانت اللعبة الشعبية الأولى وأكبرها وانتشرت بين أولاد الديرة في فرجان المدينة بين البرايح والسكيك وبسرعة ودون مبالغة أسرع من سرعة الصوت، فلم تكن تجد ساحة أو سكة أو براحة في داخل المدينة إلا وتجد فيها الأولاد يلعبون كرة القدم والتي كانت تعرف في تلك الفترة باسم (الطمباخية). وترى أمامك معركة قائمة بين عيال الفريج فلا أحد يستطيع أن يدخل السكة التي يلعب بها الأولاد الكرة أو يمر بها إلا وغطى أنفه بالكوفية أو (الغترة) من شدة التراب والغبار المتطاير من لعب الأولاد وكأنها عاصفة هوجاء قد ضربت هذه السكة، والسبب هو أن كل الأولاد الذين يلعبون جميعهم دون استثناء وراء الكرة أو (الطمباخية) التي لن يستطيع أن يلمسها أو يضربها إلا ذو حظ عظيم.
وكان كثير من الكبار يتفهمون لعب الأولاد في السكيك فيغيرون طريقهم ويسلكون طريقا أو سكة أخرى إذا كانت هذه السكة فيها لعب كرة قدم أو (الطمباخية) ولكن هناك رجالا كانوا يكرهون لعبة (الطمباخية)، ومن شدة كرههم لها يحملون معهم سكينا فإذا أمسك هذا الرجل الكرة بيديه لا يتردد في تمزيق الكرة حتى يمنع الأولاد من لعب الكرة في السكة مرة ثانية. زد على ذلك فإن بعض ربات البيوت اللواتي تقع بيوتهن في السكة التي يلعب بها الأولاد الكرة كن يفعلن نفس الشيء إذا سقطت الكرة من السكة على سطح المنزل أو نزلت إلى وسط الحوش فتقوم ربة البيت بتمزيق هذه الكرة أو تحتفظ بها ولا تعطيها الأولاد ليلعبوا بها مرة أخرى وإن كان هناك من النساء من هن على النقيض فتجدهن سمحات وحبيبات يعدن الكرة مرة ثانية إلى الأولاد ولكن تقول لهم روحوا العبوا بعيد عن بيتنا.
أما إذا أقيمت المباراة وتكون مباراة مشروطة برهان معين يدفعه الفريق الخاسر مثل شراء صندوق مشروب النامليت أو الكولا وتم تسجيل هدف والذي هو مرور الكرة بين كودتين من الصخور أو التراب بينهما مسافة صغيرة في وسط السكة أو البراحة فتسمع صراخ الأولاد الذي يزلزل الأرض بكلمة «كول» بينما تسمع صراخ لاعبي الطرف الثاني في فريق الخصم بكلمة «مو كول» فإذا حصل خلاف حول الهدف المسجل فاعلم عند اذن أن السكة قد تزحزحت من مكانها وان الأمر قد يتطلب تدخل لجنة فض النزاعات عند الأولاد في الملعب حيث كثيرا ما تقوم الهوشة التي يكون فيها عدد من المصابين وكأنهم عائدون من حروب العصور الوسطى التي ينقصها الفرسان، ولكن على النقيض من ذلك فقد كانت هناك مباريات وتقام في السكيك تسودها الروح الرياضية خصوصا إذا قدم فيها جوائز مادية وكؤوس يتبرع بها الوجهاء والأعيان من الفريج والمعروفة بحبها للرياضة فتقدم المنح المالية للفرق الفائزة وكأسا رمزية أو تذكارية لهذه المباراة.
هذا هو وضع كرة القدم عند الأولاد في ذلك الوقت ولكن ما الملابس والأحدية المستعملة في ممارسة رياضة كرة القدم أو (لعبة الطمباخية) في السكة أو الفريج؟
عندما تتحدث عن موضوع الملابس التي يلبسها الأولاد في ممارسة لعبة كرة القدم تخيل نفسك وكأنك تشاهد مخلط القرقيعان في رمضان فالملابس التي يلبسها الأولاد في المباريات كانت الملابس العادية التي تلبس كل يوم مثل الدشداشة التي يرفعها الى الخاصرة ويجعلها مثل الإزار الذي يأتزر به أو أن يدخل اللاعب دشداشته في داخل السروال الذي يلبسه أو يربط الدشداشة بالغترة ثم يلعب الكرة وكأنه يلبس الملابس الرياضية. أما الشورت والحذاء الرياضي فهي خليط من ألوان غريبة ومختلفة تفوق في ألوانها وتشكيلها ألوان (قوس قزح) حيث إن كل شخص يحضر ملابسه اليومية وهي الملابس الرياضية التي يلعب بها الكرة فكل الأولاد ليس عندهم ملابس رياضية لذا فإن الدشداشة تقوم مقام الملابس الرياضية.
أما الأحذية فهي معدومة جدا ولا تستخدم في اللعب ومعظم اللاعبين كانوا يلعبون حفاة «أكرر حفاة» دون حذاء رياضي بل ويكون هناك احتجاج بل واحتجاج شديد أحيانا وقد تلغى المباراة إذا كان أحد اللاعبين مرتديا حذاء فتسمع أصوات الاحتجاج من بقية اللاعبين «احنا ما نلعب، هذا لابس لندني» وكلمة «لندني» تعني هنا هو الحذاء الجلدي المصنوع من الجلد الطبيعي سواء كان هذا الحذاء صناعة إنجليزية أو صناعة ألمانية أو صناعة هندية أو مصنوعا في أي بلد آخر فهو عند الأولاد «لندني والسلام»، فإذا كان فريق جميع لاعبيه حفاة فيجب على فريق الخصم أن يكون جميع لاعبيه حفاة أيضا حتى لا تلغى المباراة.
ولكن حدث تطور في نوعية الأحذية الرياضية في مرحلة زمنية لاحقة حيث استخدم في تلك الفترة حذاء رياضي مصنوع من القماش السميك ذي قاعدة مطاطية لينة أطلق عليه اسم (بوتين) وهو مثل حذاء كرة القدم ولكن حذاء كرة القدم كانت قاعدته مصنوعة من الجلد الجاف جدا ولذلك ترى الأولاد إذا رأوا ولدا لابس بوتين يقولون «ما يخالف خله يلعب لابس (بوتين) أو لابس (نص بوتين) فكان يسمح لمن يلبس البوتين باللعب فلعب الكرة يكون اما اللاعب يكون حافيا او لابس بوتين فقط وغير ذلك غير مسموح».
وأما الكرة فكانت تصنع من جلد الحيوان مثل جلد الجاموس أو البقر وكانت هذه الكرات تصنع في الهند وكانت غالية الثمن إذا كانت من النوع الجيد حيث يصل ثمن الجيد منها الى «40 روبية هندية» وهو مبلغ كبير بمقاييس ذلك فهذه الكرة الجلدية فقد كان بداخلها بالون من المطاط برتقالي اللون وكان يسمى «تيوب» Tube يوضع داخل كرة الجلد وله أنبوب مطاطي صغير يتم نفخ البالون منه وهو بداخل كرة الجلد حتى تنتفخ الانتفاخ المطلوب ثم يتم ثني أو طي الأنبوب المطاطي ويربط بخيط ثم توضع قطعة جلدية مستطيلة الشكل فوق الأنبوب وتحت خيط الكرة وبعد ذلك تربط الكرة الجلدية وبداخلها البالون بخيط جلدي أيضا عن طريق مشبك يدخل بين فتحات الكرة وتغلق فتحة الكرة على ما في داخلها وتربط هذه الفتحة بمشبك على شكل رباط الحذاء. وهذا النوع من الكرات يسمى «كرة أم كاندس» بسبب قطعة الجلد المستطيلة الشكل والتي تسمى (الكاندس) التي توضع تحت خيط الكرة.
كما دخلت الكويت بعد فترة قصيرة كرة مطاطية ذات لون بيج داكن وأصغر حجما من الكرة الجلدية (أم كاندس) وهي منفوخة ولا تحتاج الى نفخ وكان سعرها أرخص بكثير من الكرات الجلدية ولذلك كانت هذه الكرات منتشرة في السكيك عند الأولاد.
هذه كانت صورة الرياضة بصورة مجملة وملخصة بالنسبة إلى لعب الأولاد لكرة القدم أو الطمباخية في الفرجان والبرايح في داخل الديرة، هذا الوضع الرياضي نقلته من الذاكرة حسب ما عشته ورأيته عندما كنت ولدا صغيرا لعب في السكة.
وللحديث بقية.
المصدر: شبكة الأنباء