
- فرض الضرائب يجعل الدولة شريكة في النجاح ويصبّ في مصلحة الجميع
- الاعتقاد بأن تردّي التعليم هو السبب في تدني المجتمع «تبسيط مخلّ للأمور»
دعا رئيس مجلس الأمناء في جامعة الشرق الأوسط الأمريكية AUM فهد العثمان إلى إعادة هندسة الاقتصاد من جذوره، وأيضا هندسة منظومة العمل بشكل تام، مؤكدا ان اقتصاد خلق الثروة هو الحل لمختلف المشكلات، مشيرا إلى ان فرض الضرائب يجعل الدولة شريكة في النجاح.
وقال العثمان في كلمته خلال حفل تخرج دفعة جديدة من طلبة الجامعة ان الاعتقاد بأن تردي التعليم هو السبب في تدني المجتمع «تبسيط مخل»، مبينا ان الجميع يشتكي من أداء مؤسسات الدولة كالشوارع والخدمات الصحية والإسكان وهناك الكثيرون يتحدثون عن تردي التعليم معتقدين أن التراجع الموجود حاليا في المجتمع سببه تدني التعليم، لافتا إلى ان الصورة الذهنية المنتشرة أنه إذا كلف وزير قوي ونظيف لإدارة الوزارة وإصلاح التعليم، فكل مشاكل الدولة والمجتمع ستحل، فهذا تبسيط مخل والأمور ليست بهذه البساطة.
وأضاف العثمان: يوجد لدينا الآلاف من الخريجين سنويا من جامعات جيدة في أميركا وأوروبا، والمئات يتخرجون في جامعات مثل جامعة هارفارد وييل وبرينستون وغيرها، وهذا دليل على أن التعليم الأساسي قد لا يكون بهذا السوء، لأن ما هو واضح أن تعليمهم ساهم في تأسيسهم وجعلهم يستمرون ويتخرجون في الجامعات العالمية وهنا لا بد من التوقف قليلا، حيث يأتي هؤلاء الخريجون من جامعات عالمية، ولا توجد رداءة تعليم، فأين هم؟ بمعنى، أننا لا نرى نفس العدد من هذه الكفاءات والمتميزين في مختلف أوجه المجتمع، وبالتالي المشكلة لا تكمن في مستوى التعليم إنما في مكان آخر.
التدريس والتعليم
وشدد على ضرورة التمييز بين التدريس والتعليم، قائلا ان التدريس هو الذي يحصل في المدارس والجامعات ويشمل القاعات الدراسية والحضور والكتب والامتحانات حتى يتم تحصيل الشهادة وهو جيد ومهم إلا أنه ليس تعليما، مؤكدا ان «التعليم أكبر وأشمل ويتواجد في المجتمع والمعمل والمصنع والمتجر والسوق والمسجد والأسرة، وهو أمر شامل أما التدريس فجزء منه فقط».
المعلومة والمعرفة
وميز بين المعلومات والمعرفة، مشيرا إلى أن هناك باحثا وكاتبا أميركيا يسمى كيث دبلن Keith Devlin، كتب كتابا قيما جدا في هذا المجال يوضح الفرق بين المعلومات والمعرفة، ويقول بإحدى التعريفات البسيطة، إن كنت تملك المعلومات، وتستطيع استخدامها وتطبيقها في الواقع وإحراز نتائج مفيدة وبناءة فأنت تملك المعرفة، مضيفا: أما إن كنت تملك المعلومات، وليس باستطاعتك تطبيقها أو لا تملك الفرصة لتطبيقها فأنت تملك المعلومات، ولا تملك المعرفة، ونرى أن المعرفة والتعليم مرتبطان ارتباطا وثيقا في عمليات التطبيق والتنفيذ والإنتاج وتحقيق النتائج.
منظومة العمل والمعرفة
وتابع: «نرى أن هناك علاقة وثيقة بين منظومة العمل واكتساب المعرفة والتعليم ونعلم أن ما يقارب 90% وأكثر من قوة العمل الوطنية الكويتية تعمل في القطاع الحكومي، والقطاع الحكومي أغلبه وليس كله أداؤه غير جيد، والفاعلية والإنتاجية متدنية».
وأشار إلى أن القطاع الحكومي يعاني من مشاكل كثيرة بسبب سوء الأداء وذلك يعود لسببين وكل الأمور الأخرى تأتي نتيجة لهما، الأول «بنيوي» بمعنى أن هيكل وزارات الدولة ومؤسساتها التي تأسست في بداية الكويت الحديثة خلال الستينيات أو ما قبل هذه الفترة، لم يتغير حتى يومنا هذا، وقد يكون شهد بعض التعديلات، لكنه بقي كما هو، فعلى سبيل المثال، تخيل أنك تبني بيتا من ثلاثة أدوار، ثم تقرر زيادة عدد الأدوار لتصبح 20 هنا توجد إشكالية بنيوية هيكلية، مبينا انه عندما تأسست الوزارات في الكويت الحديثة، كانت الدولة في بداياتها، وبالتالي كانت طبيعة تأسيس الوزارات والهيئات مناسبة وحققت نجاحا كبيرا بحيث نقلت الكويت إلى مستوى متقدم جدا ولكن اليوم، بعد كل التغييرات التي حدثت ومع السنين الطويلة لم يعد هذا الهيكل مناسبا، والعمر الافتراضي لهيكلية هذه المؤسسات انتهى منذ زمن، وبالتالي تنتج عنه كل هذه المشاكل.
اقتصاد ريعي لا إنتاجي
وزاد: السبب الثاني لتدني الأداء الحكومي، هو أن هذا الهيكل غير المناسب يعيش في حضن اقتصاد ريعي لا إنتاجي أو «اقتصاد توزيع الثروة»، وهذا الاقتصاد كان جيدا في وقته حيث ساعد الكويتيين وعوضهم عن أيام الفقر والأيام الصعبة وخلق الكويت الحديثة، مشددا على ان قيما مثل الكفاءة والموضوعية والتميز لا يمكنها أن تنمو في ظل اقتصاد ريعي لا يتعامل مع الإنتاجية والأمور المتعلقة بها، وبالتالي نرى أن هذا الاقتصاد هو البيئة الحاضنة لاكتساب المعرفة والتعليم، لذا فحين يتخرج الطلبة ويذهبون للعمل في هذه المؤسسات لا يمكنهم اكتساب التراكم المعرفي، فالنتيجة أعداد كبيرة من الأشخاص يحصلون على وظيفة ولكن لا يعملون، أو أشخاص يعملون ولكن ليس بطرق سليمة.
إعادة هندسة منظومة العمل
وأكد ان الناس تتعلم الخطأ وتكتسب عادات سيئة، وهذا مربط الفرس، وهذه البيئة لا تسمح للمعرفة الحميدة بأن تتبلور، بل تساعد على خلق معرفة وتراكم معرفي مشوهين، لافتا إلى ان حربنا الحقيقية ليست في المدارس، وإن كان هناك الكثير من الإصلاح الذي يجب تحقيقه في المدارس، وإنما حربنا الحقيقية هي في إعادة هندسة منظومة العمل، لأنه مهما درسنا وتعلمنا وحصلنا على شهادات، إذا لم نطبق جميع هذه الأمور ونمارسها وندخل في مخاض التطبيق والممارسة، فلن تزداد معرفتنا وبالتالي، يصبح هناك ضعف على مستوى المجتمع ومستوى الدولة والمؤسسات.
اقتصاد خلق الثروة
وشدد العثمان على أن منظومة العمل لن تتطور إلا في ظل اقتصاد إنتاجي يخلق الثروة لا يستنزفها، اقتصاد يأخذ الموارد البشرية والموارد الطبيعية وينتج عنه ثروة أخرى إضافية، هذا الاقتصاد هو فقط الذي من خلاله يمكن لمنظومة العمل أن تتطور، ولهذا فحربنا الحقيقية تكمن في إعادة هندسة الاقتصاد من جذوره وإلا لن نستطيع الخروج من هذه الدوامة والورطة الحضارية التي نعانى منها.
قطاع خاص نابض
وبين انه ليكون هذا الاقتصاد فعلا إنتاجيا فهو بحاجة إلى قطاع خاص نابض، مضيفا: أنا لا أتحدث عن القطاع الخاص الحالي، لأنه يعاني الكثير، فالصين، معقل الشيوعية والاشتراكية، تنبهت في وقت مبكر بأنه دون القطاع الخاص لن تستطيع أن تخلق تنمية اقتصادية. وبالتالي قد تصبح الدولة ضعيفة، والتجربة الصينية وكل هذا الإنجاز لم يكن ليتحقق لولا قطاع خاص نابض بالحياة ومنتج.
فرض الضرائب
واختتم كلمته قائلا: أولى خطوات بناء قطاع خاص بهذا الشكل هي فرض الضرائب على أرباح الشركات، فهناك البعض من أصحاب الأعمال وربما التجار يتحسسون من هذا الأمر، ولكن على العكس، فهذا الأمر يصب في مصلحتهم على الأمد الأطول، ولا بد من التضحيات، كما أن فرض الضرائب يجعل الدولة شريكا في النجاح، ودون ذلك، لا يمكن فعلا أن يوجد قطاع خاص نابض، فخلق الوظائف، وامتلاك الطاقات البشرية التي فعلا أمامها الفرص لتطبيق ما تعلمته، ويصبح هناك تنافس فالشخص صاحب الأداء الأفضل والأكثر إتقانا وموهبة هو الذي يجب أن يتقدم في المجتمع، والاقتصاد.
ودعا الله أن يحفظ ديرتنا في ظل قيادة صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، حفظه الله ورعاه.
المصدر: شبكة الأنباء