
ذكرت في مقالي السابق والذي نشر يوم الأحد 14 الجاري عن قصة أولى حدثت لي شخصيا، وقلت ان هناك قصة ثانية متعلقة بـ «الاستراتيجية الشبابية»، او حسب اسمـهــــا الـرسـمــــي «الاستراتيجية الرياضية 22-28».
القصة الثانية عرفت عنها الشيء الكثير من خلال ما سمعته من الشخصيات الذين حدثت لهم، وذكرت لي مباشرة من قبل اشخاص اعرفهم حق المعرفة وعايشتهم، وكنت معهم في النادي وخارج النادي، ومعرفتي بهم وثيقة، كما انني اصدق كلامهم وأثق بهم كل الثقة، ولو كانوا على قيد الحياة لقالوا لي صدقت، لكنهم انتقلوا الى دار الحق وتحت رحمة مليك مقتدر وهو الغفور الرحيم، وانا هنا أنقل كلامهم بحسبما سمعته وما فهمته من دون زيادة او نقصان.
القصة حدثت في العام 1974 أي قبل 47 عاما، وتحديدا بعد انتهاء دورة كأس الخليج الثالثة التي جرت في الكويت في تلك السنة، والذين عايشوا هذا الحدث يتذكرون جيدا ما حصل في المباراة النهائية التي كانت بين الكويت والسعودية على استاد الكويت الرياضي الذي جهز على عجل استعدادا لدورة الخليج، وكان الاستاد هو الوحيد في الدولة كلها بعد اهمال استاد ثانوية الشويخ وعدم صلاحيته لمثل هذه المباراة، واستاد نادي الكويت كانت سعته الاستيعابية عند الافتتاح لهذه الدورة 15 الف متفرج، لكن حضور الجماهير الغفيرة لهذه المباراة زاد على المتوقع، وقدر عددها بأكثر من 40 ألف متفرج، وبالطبع بقيت أعداد كبيرة منها خارج أسوار الاستاد ولم يتمكنوا من مشاهدة المباراة النهائية.
بعد هذه المباراة خرجت فكرة إنشاء استاد رياضي كبير ورئيسي للدولة، ويروي لي المرحوم الذي سوف أطلق عليه اسما حركيا «بومحسن»، حيث قال: كنت متواجدا في النادي في احدى الأمسيات فإذا بسكرتير النادي يأتي إلي ويقول: في واحد طالبك في التلفون، فتوجهت إلى مكتب السكرتير، وإذا المتحدث شخصية حكومية بارزة يقول لي: تعال بكره الصبح عندي في المكتب أبيك. فقلت له ان شاء الله بكره أكون عندك.
وأضاف «بومحسن»: «من بكره رحت لهذه الشخصية البارزة وبعد مقدمات السلام وديباجة التحية المعهودة قال هذه الشخصية وبصريح العبارة: اذا قررت أن تبني استاد رياضي كبير لكن الحكومة تريد ان يكون هذا الاستاد يليق بسمعة الكويت ومركزها الرياضي، فقلت له ونعم القرار الذي اتخذ فعلا الكويت بحاجة وحاجة ماسة إلى وجود استاد رياضي لتطور الرياضة الكويتية فقال هذه الشخصية: أبيك من الآن تعمل ترتيباتك وتشوف وين موجود استاد متطور في العالم حتى نسوي مثله».
«وبدأت في المراسلات مع عدة جهات حكومية وأتلقى الإجابات الكتابية التي فيها بالإشارة الى كتابكم وإيماء إلى كتابنا، واستمرت هذه المراسلات بين جهات حكومية متعددة بمدة تزيد على العامين وأنا أبلغ هذه الشخصية بما نكتب وما يردنا من إجابات من الجهات الرسمية في الدولة وتوصلنا في آخر الأمر إلى وجود استاد في أميركا بولاية تكساس تتماشى مواصفاته مع احتياجاتنا، خصوصا أن الجو في ولاية تكساس وهي ولاية صحراوية قريبة الشبه في جوها بجو الكويت الصحراوي لكن جو الكويت أكثر حرارة وأقل مطرا من ولاية تكساس».
«وفي شهر أغسطس 1977 أبلغتني هذه الشخصية بالاستعداد للسفر إلى أميركا وإلى ولاية تكساس بالذات للاطلاع على هذا الاستاد وان المراسلات الرسمية بهذا الشأن قد تمت بين الكويت والحكومة الأميركية وستكون يا «بومحسن» رئيس لوفد حكومي كويتي مكون من ثلاثة موظفين حكوميين وأنا رابعهم، ومهمة هذا الوفد هو الاطلاع على هذا الاستاد وكتابة تقرير يقدم للحكومة عن هذا الاستاد وعلى الطائر الميمون توجه هذا الوفد إلى تكساس في شهر سبتمبر 1977».
في أثناء هذه الفترة اضطررت إلى السفر إلى لندن وبصورة عاجلة لإجراء عملية جراحية للوالد يوسف، رحمة الله عليه، في شهر أكتوبر من نفس السنة، وتشاء المصادفة في صباح أحد الأيام بتلك الفترة وقبيل مغادرتي ردهة الفندق متوجها إلى المستشفى للوالد- رحمة الله عليه- وإذا أمامي في الفندق «بو محسن»، وبعد التحية والسلام يسألني: اشفيك بلندن.. عسى ما شر؟ فقلت له: الوالد في المستشفى مسوي له عملية، وأنت «بومحسن» اشفيك جاي لندن؟ فقال: أنا الآن توني راجع من تكساس، فقلت له اسمح لي لازم أروح الآن المستشفى والتقي معاك في وقت آخر بعد ما ترتاح من السفر.
تركت «بومحسن» في ردهة الفندق وتوجهت إلى المستشفى لكن قبل غروب الشمس بفترة قليلة دخل «بومحسن» علينا غرفة الوالد بالمستشفى وبعد التحية والتمني بالشفاء جلسنا نتحدث ثلاثتنا بمواضيع عدة ومختلفة فتطرقنا في حديثنا هذا إلى سفرة «بومحسن» إلى أميركا وعن التعاون الذي أبداه الأميركان في المساعدة بإنشاء هذا الاستاد المتطور تكنولوجيا والذي يعتبر في ذلك الوقت تحفة فنية وهندسية رائعة، حسب كلام «بومحسن» من قبل، فهذا الاستاد مزود بسقف متحرك يفتح ويغلق بحسب الرغبة، كما أن هذا الاستاد مزود بمكيف هواء يمكن اللعب عليه طوال أيام السنة ومدرجاته متحركة تكبر وتصغر حسب عدد الجمهور الذي يحضر إلى الاستاد.
ويزيد في كلامه أن الأمريكان أبدوا كل الاهتمام بزيارة هذا الوفد ورحبوا بنا وزودونا بالمعلومات التي تتعلق بهذا الاستاد وقدموا لنا مساعدة لم نتوقعها إلى درجة أنهم زودونا بنسخة من خطط وبعض الأفلام والصور للاستاد.
وفجأة يعلن المستشفى انتهاء موعد الزيارة، فيقوم «بومحسن» من مقعده ويقول: انا أترخص، وأنا باكر راجع الكويت، ونلتقي ان شاء الله هناك، وفعلا غادر المستشفى ثم بعد ذلك عاد الى الكويت، وبعد مدة عدت أنا والوالد، رحمه الله، وتوجهت بعد عدة ايام الى النادي فتقابلت مع «بومحسن» فسألته عن رحلته الى امريكا، فقال: بعد وصولي انا والوفد توجهنا الى هذه الشخصية البارزة وقدمنا تقريرنا عن الاستاد مع المخطط والصور والأفلام، وشرحنا كل التفاصيل لهذا الاستاد الأمريكي، فشكرنا على مجهودنا الذي قمنا به واستلم منا التقرير بابتسامة عريضة جدا، وخرجنا ونحن نتوقع كل الخير، لكن صارت صخة وصخة طويلة، وانتقل «بومحسن» إلى رحمة ربه ولم ير الاستاد الذي تعب من أجله النور إلى يومنا هذا.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بعد هذه المقالات والأحداث والقصص هو: هل ما طرح وكتب عن استراتيجية 22-28 والملاعب الستة سيكون مثل سابقه ويشبه «بيض الصعو» الذي نسمع به ولا نراه؟!
المصدر: شبكة الأنباء