● كيف استقبلت هذا التتويج؟ وما الذي تُضيفه “البوكر” إليك؟ ,- استقبلت هذا التتويج بكل بهجة، لأن كلمتي ستصل أكثر للقارئ، وستصل هواجسي التي دفعتني لكتابة هذه الرواية. إن أهم ما يمكن نيله من جائزة بحجم الجائزة العالمية للرواية العربية، هو اتساع رقعة مقروئية الكاتب، وهذا ما نريده لأجل أن يكون للكلمة مكانتها التي تستحق، إضافة إلى طريق الترجمة التي تفتح آفاقا نحو القارئ الآخر.,
واقع الإنسان
,● قدمت صورا اجتماعية عن المهمشين في العالم، وعن الواقع المأساوي الذي يعج بالظلم والقسوة، كيف استطعت من خلال رواية “دفاتر الورّاق” أن تعالج قضايا الواقع، حتى جاوزت حدود الزمان والمكان؟,- النظرة العميقة لما حولنا، والتفكر في الماضي، والتحديق في المستقبل… كل ذلك يمكن أن يؤدي بالكاتب إلى الكتابة التي ترصد واقع الإنسان من مختلف أبعادة. ,إن “دفاتر الوراق” تراكم لكل تلك المشاهدات والتأملات والأحلام حيال واقع صعب، فقلت كلمتي روائيا. في الرواية لا يمكن أن نقدم حلولا، لكننا نُطلق الأسئلة، ونُلقي الضوء على الجرح والوردة. ,نحن نلاحظ في هذه المرحلة أن رقعة المهمشين تزداد على الصعيدين العربي والعالمي، وباتت تعلن صوتها احتجاجا على سوء الوضع، وبناء عليه، ولأن فكرة الرواية قائمة على ثيمة البيت وضرورة حمايته، بتعدد أشكاله ومستوياته، فإن على الرواية أن تتخذ دورا استشرافيا بناء على كثير من العناصر التي تحيط بنا وتنظر إلى المستقبل.,
خيال
,● هل بناء شخصيات مُتخيلة في عمل روائي أسهل من توظيف شخصيات حقيقية، وخاصة أن توظيف شخصيات حقيقية في أعمال روائية كثيراً ما يُقابَل ببعض الجدل؟,- لا أميل في الرواية إلى نقل الواقع كما هو، بل أنزع دوما إلى الذهاب إلى هذا الواقع بأدوات الخيال، خروجا عليه. في “دفاتر الوراق” شخصيات مبتكرة، لكن إلى أي مدى يمكن لهذه الشخصيات أن تتقاطع مع شخصيات على أرض الواقع؟ بعد صدور الرواية هاتفتني فتاة، وقالت: أنا “ليلى” مجهولة النسب. وحينما قابلتها شعرت أنها خرجت من بين دفتي الرواية. حتى لو ابتكرنا شخصيات خيالية، إلا أن هذه الشخصيات تبقى في حدود الواقع. أؤمن بأنه حتى الخيال الذي نكتبه هو واقع بحد ذاته. ,
توازن اللغة
,● العلاقة بين فنيات وجمال الشعر، والاتكاء على صياغة السرد الروائي… أين تجد نفسك أكثر؛ في فضاء الشعر، أم في مهارة السرد؟,- أراني في الاثنين، فمن الشعر أخذت تلك الرؤية في صياغة الحدث، حتى يكون استثنائيا. هنا أعود إلى مقولة آرنيستو سباتو: “ليس هناك من رواية حقيقية إن لم تكن شعرا”، لكن سباتو لم يقصد اللغة، بل قصد شعرية الحدث. هذا لا ينفي أنني أشتغل على اللغة بكل هدوء من دون أن تفارقني روح الشعر، لأن الرواية ليست تقريرا بوليسا، ولا قصيدة في الوقت نفسه، إنها نتاج توازن بين كل العناصر. ,
ماركيز وهلسا
,● ماذا عن تأثير نشأتك وتكوينك الثقافي في اتجاهك لعالم جابرييل غارسيا ماركيز صاحب المدرسة الواقعية السحرية؟,- في عوالم القرية التي ولدت، وما زلت أعيش فيها، كنت أسمع قصصا في ليالي الشتاء، قصصا خرافية لم أكن أدري هل هي من ابتكار أولئك الحكائين الفطريين. لقد كانت واقعية سحرية في غاية الفرادة. عندما قرأت لماركيز أيقنت إلى أين تتجه ذائقتي، وحينما قرأت أعمال الروائي غالب هلسا وراقتني تلك القدرة على كتابة عوالم القراء بوعي يتجاوز الواقع بلغة الواقع، عرفت مساري في الرواية، لهذا أقول دوما إني تأثرت بكل من ماركيز، وغالب هلسا. لكن هذا لا يعني أنني أكتب رواية الواقعية السحرية، بل تجاوزتها إلى رواية ما بعد الحداثة التي لا تنفصل عن تلك المرحلة الأدبية. ,● إلى أي مدى أثرت البيئة الأردنية فيما تكتبه؟ ,- من العناصر التي تصوغ الكاتب بيئته، وخاصة حينما ينخرط فيها بعمق. ما زلت أنتمي إلى أولئك الذين يكتبون من عمق الشارع، وليس في سياق النظر إلى الشارع عبر النافذة. لهذا أثرت بي بيئتي بقوة، فلا عالمية من دون المحلية.,
ديوان العرب
,● كيف تقيم المرحلة الشِّعرية الأردنية – العربية في الوقت الراهن؟,- الشعر عموماً، وللأسف الشديد، في حالة ركود، إلا أولئك الذين لا يزالون وراء متاريسه. قيل كثيرا عمن هاجروا من الشعر إلى الرواية، هناك مَن أيَّد، وهناك مَن عارض. الكتابة كتابة، سواء كانت شعراً أم رواية، وهذا متروك للكاتب، وخياراته. رغم أن الرواية باتت ديوان العرب برأي الكثير من النقاد، فإن الحركة الشعرية الأردنية مهمة ونشطة، وهناك أسماء على درجة عالية من الإبداع، مثل الشاعرة الأردنية مها العتوم. ,
الترجمة
,● ترجمت روايتكم إلى لغات عديدة، ما الذي تروم إلى أن تجعل القارئ الأجنبي عليه وأنت تقدم له ترجماتك شعرا وسردا؟,- الترجمة طريق الكلمة إلى عقل وقلب القارئ الآخر من اللغات الأخرى، نحن أبناء كوكب واحد، بيننا اختلافات ثقافية واجتماعية، لكننا نعيش حلما واحدا، ألا وهو “الإنسانية”. أريد من قرائي باللغات الأجنبية أن يقرأوا ما أفكر، وما أحلم به.,● انتشر في السنوات الأخيرة مصطلح “الأدب الرقمي”، وباتت الكتابات على مواقع التواصل الاجتماعي تنافس الكتاب الورقي… برأيك، هل يساهم ذلك في تنمية الإبداع وتنامي النقد الموضوعي أم لا؟,- لست ضد أي اتجاه في الأدب، لكني لست متأكدا من أي إجابة حيال الأدب الرقمي. لكن من جهة أخرى، أعتقد أن ثورة الاتصالات، وذلك النمط الجديد للحياة بعد “كورونا”، وما يمكن أن يتمخض عنه من شكل جديد للرواية، وفق ما أتوقع، سيجعل الرواية الرقمية في منافسة ما يمكن أن يولد من شكل روائي ينزع إلى التأمل.,
تراجع النقد
,● هل استطاع النقد العربي أن يرتقي إلى المستوى المطلوب، في ظل الزخم الكبير من الإصدارات الإبداعية؟,- للأسف لا، النقد في تراجع مرعب، والأمر اقتصر على قراءات انطباعية ومجاملات. هناك كتب كثيرة تصدر تحت مسمى النقد، لكن ما هي إلا مجموعة من القراءات التي نشرت في الصحف وتصدر تحت عنوان لا يمت للمتن بشيء!,
إنسانية مشروخة
,● ماذا ينتظر قارئك في الأيام القادمة؟,- في المرحلة القادمة سأنشغل برواية يختلط فيها الماضي بالحاضر والمستقبل. إنها رؤية من زاوية أحاول أن تكون استثنائية، وتطل على إنسانيتنا المشروخة.,
محمد الصادق
المصدر: جريدة الجريدة الكويتية